أنواع من الرجال (2) … سيد بيته ، وجهة نظر

أنواع من الرجال .. سيد بيته ، وجهة نظر
رفعت البيض ناضجاً من لهيب نار لا بأس به ، ووضعته بصحن أبيض شفافيته كالقلب المصفى قهراً ، وقدمته ببين إخوة  له في تناسق وحب  وتناغم ، وإن اختلفت المحتويات والألوان ؛ بين جبن أبيض وأصفر، وفول بني وفلافل خضراء  ، وخس أصفر وخيار أخضر وطماطم حمراء ، و خبز أبيض وأسمر ،ولكن ما يجمع بينهم جميعاً أنهم سيأكلون .

وجلست مبتهجة بجمع أولادها ، شعور أم بالراحة في نظرة بعيون أبنائها بعد عناء يوم طويل ، نظرة التعويض عن عذاب أب لا يشعر بها ، ولا يحس بوجودها ، زوج نسيت معه أنها إمرأة ، وسلمت بأمر الله في ذلك؛  تارة حفاظاً على كرامتها ، وتارة لأنها إمرأة ترغب دائماً في الطلب ، ولكن لا طلب .

تود أن تشعر بأن جمالها له حاجة ،ولا حاجة  له عند زوجها ، وكأن صمتها وصبرها ،  كان دليلاً على الهجر والإكتفاء بحياة الطعام والشراب و العراك والشجار دون صلح أو شوق أو رغبة أو هدنة .

ومدت يدها للطعام مستفتحة باسم الله ، وكانت تنظر أمامها لعقارب الساعة المعلقة أمامها ، لتشهد أنها  الثامنة و النصف مساء ، وكأنها تقول انتهى  يوماً آخر من أيام الحياة التي تمر بفتور ورتابة ،ولا جديد غير أحداث الحياة المتكررة بأثواب مختلفة من يوم إلى يوم .

ورن جرس الهاتف ، فنهضت لرفع السماعة ، فإذا بزميلة لها في العمل تسأل عن شئ ،ردت متلهفة كأنها وجدت شيئاً تخرج فيه من روتينية  الحياة ، فردت عليها دون بخل كعادتها ،وتحدثت بحديث عادي كما يرد أي شخص طبيعي على الهاتف ، وفجأة وجدت الرجل يهب منتفضاً ، ويقذف ما بيده من بقايا الطعام ، ويخرج من فمه زفيراً له صوت ، ويتمتم بكلمات مقلقة ، جعلتها تتردد وتتلجلج في الحوار ، فقالت لها زميلتها ماذا بك ؟ ، هل اتصلت في وقت غير مناسب ؟، قالت : لا أبداً كنت قد بدأت في طعام العشاء فردت ، سأغلق وأتصل مرة أخرى بعد انتهاءك من الطعام لنستكمل حديثنا .

ووضعت سماعة الهاتف و هي تتعجب ،وقالت لأولادها : ما الذي حدث  ، هل أغضب أحد أباكم ؟ ، قالوا لا ، فخرجت إليه خارج الغرفة فوجدته يجلس وعيونه كلها غصب وشر ، حيث يعيش كالعادة في خيال يتصور فيه نفسه في صورة ملاك ،ويرصد أفعال زوجته كلها كسلسة من الأخطاء الجسيمة ،وينتقدها ، ويصور نفسه ضحية لا بد من إنقاذها من  هذا الجو  الكئيب ، ونظرت إليه في تعجب قائلة : ألا تكمل عشاؤك ؟ فلم يرد عليها ، فقالت :ما الذي جرى ؟ فنظر إليه بعينيه نظرة احتقار ، فانصرفت لتكمل طعامها غير متعجبة فلا جديد ، هذا هو متقلب المزاج ، غير محدد الأفعال ، ولا منطقي  التصرفات .
وفي التاسعة مساء ، تكرر صوت الهاتف الأرضي مرة أخرى والذي نادراً ما يسمع له جرس ، فردت ،وإذا بالزميلة نفسها تقول ، هل انتهيت من طعام العشاء ، قالت : نعم ، ردت الزميلة : إذن نكمل حديثنا ، لأن عندي مجموعة أسئلة وأنا أجلس الآن على الحاسب ، وأود أن أسألك وأقوم بالتطبيق مباشرة ، قالت : على الرحب كما تودين ، وتبادلا الأحاديث حوالي نصف ساعة  ، ولم تلتفت هي إلى الزوج الذي لم يرد عليها حين خرجت تسأله عن سبب غصبه وتركه للطعام دون سبب ، فاعتبرت المكالمة الهاتفية وسيلة للخروج من هذا الجو الكئيب ، ومن هذا التجاهل الذي ليس له سبب أو معنى .

و بعد انتهاء المكالمة ، انتفض الرجل قائلاً كيف لاتحترمين وجود زوجك، كيف تردين على زميلتك وتبادلينها الأحايث أثناء وجودي بالمنزل ، أنت إمرأة غير محترمة ولا تعرفين ما معني الزوج  وحقوقه.. قالت هل كنت تريد مني شيئا ؟ قال ليس المهم أن أريد الآن ولكن لا تنشغلي بغيري وتنتطرين بكل وقت وتتفرغين لي ربما أحتاج منكي شيء ..فقالت هل قصرت معك في شيء ..قال هذا الشأن يخصني أنا من أقرر متي أحتاجك وربما لا أحتاجك لكن المهم لا تنشغلي بغيري ، أنتي هنا من أجلي وأجل أولادي فقط ، حتى عملك من أجل بيتك وأولادك .

هل هناك عبودية أكثر من فكر هذا الرجل .. هذا نوع من الرجال وما أكثرهم ، لعله يعي معنى السيادة والقوامة ببيته بمفهوم يختلف عن بني جنسه .

المجلة العربية لدراسات وبحوث العلوم التربوية والإنسانية